في بداية يونيو من عام 2007، شهدت سلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة وإيران حدثًا جويًا استثنائيًا وغير مسبوق منذ عقود. الإعصار المداري "جونو" – المعروف أيضًا بـ "غونو" – دوّى فوق مياه بحر العرب قبل أن يضرب السواحل الشرقية لعُمان في مشهد نادر وعنيف، اعتبره البعض الأقوى منذ أكثر من ستين عامًا.
قوة الإعصار وذروته
تشكل إعصار جونو في بحر العرب وبلغ ذروته يوم 3 يونيو/حزيران 2007، حيث وصلت سرعة الرياح المصاحبة له إلى 260 كيلومترًا في الساعة، ما يعادل الفئة الخامسة من الأعاصير المدارية. وتسببت قوة الإعصار بأمواج عاتية بلغ ارتفاعها على سواحل عُمان نحو 12 مترًا، مع تشكيلات كثيفة من السحب المتوسطة والعالية.
ورغم أن الأعاصير في بحر العرب تظهر كل ثلاث سنوات تقريبًا، إلا أن جونو تميز بشدة قوته وسرعة تطوره، مما جعله حالة نادرة الحدوث بهذا العنف.
تقدم الإعصار نحو السواحل العمانية
مسار مركز الأعصار جونو ( ويكيبديا )
اتجه الإعصار تدريجيًا نحو الشمال الغربي، لكن سرعته بدأت تتراجع بتاريخ 5 يونيو إلى نحو 175 كلم/ساعة. وفي ذلك اليوم، ضرب الإعصار السواحل الشرقية لسلطنة عمان، مستهدفًا مناطق مثل صور، جزيرة مصيرة، العاصمة مسقط، ومناطق ساحلية أخرى.
مع حلول 6 يونيو، وصلت تأثيرات الإعصار إلى سواحل الإمارات الشرقية وجنوب شرق إيران.
استعدادات طارئة وخسائر بشرية
عشية وصول الإعصار، بدأت عمليات الإخلاء الواسعة في سلطنة عمان. آلاف السكان انتقلوا من المناطق الساحلية إلى مناطق أكثر أمانًا، فيما تم إغلاق مطار السيب الدولي وميناء الفحل – المنفذ الوحيد لتصدير النفط – بالإضافة إلى محطة صور لتصدير الغاز المسال.
رغم هذه الإجراءات، أعلنت السلطات العمانية عن مقتل أول ضحية في مدينة صور بتاريخ 6 يونيو. وبحلول يوم 8 يونيو، ارتفعت الحصيلة إلى 32 قتيلاً وأكثر من 30 مفقودًا، بالإضافة إلى نحو 20 ألف منكوب.
أضرار واسعة في العاصمة مسقط
منطقة القرم في مسقط أثناء الإعصار ( ويكيبيديا)
كانت العاصمة العُمانية مسقط من أكثر المناطق تضررًا. فقد تسبب الإعصار في:
-
شلل تام في الحركة المرورية
-
انقطاع التيار الكهربائي والاتصالات
-
اقتلاع الأشجار
-
فيضانات ضخمة غمرت أحياء كاملة
ومنطقة القرم كانت من الأكثر تضررًا، حيث غمرت المياه مجمعات تجارية شهيرة مثل مجمع العريمي وسابكو، ومحالّ ومطاعم بالكامل.
انهيارات وانقطاع مياه
شهدت المدينة انهيارات جبلية أغلقت العديد من الطرق، فيما انقطعت إمدادات المياه من يوم 6 يونيو وحتى 12-13 يونيو، قبل أن تستعين الحكومة بسيارات الصهاريج لتلبية الحاجات الأساسية للسكان.
أما مطار مسقط الدولي، فقد أغلق في الساعة 11:15 صباحًا من يوم 6 يونيو وأعيد تشغيله صباح يوم 8 يونيو. ولحسن الحظ، لم تسجل أي خسائر مباشرة في منشآته.
استجابة حكومية ومجتمعية
في اجتماع طارئ لمجلس الوزراء يوم 11 يونيو، شكّل السلطان قابوس بن سعيد لجنتين:
-
لجنة لفحص الأضرار في البيوت
-
لجنة برئاسة وزير الاقتصاد لإعادة تأهيل البنية التحتية
كما رفضت السلطنة أي مساعدات دولية، مؤكدة على تلاحم الشعب العُماني. وأُعفي الطلاب من اختبارات نهاية العام في بعض المناطق، وأعيد النظر في حالة المباني المتضررة.
ظفار تنتفض
رغم أن محافظة ظفار لم تتأثر مباشرة بالإعصار، إلا أن سكانها سارعوا لدعم المتضررين في الشمال. تم إنشاء مراكز تبرع، وإرسال القوافل الغذائية والخيام، بالإضافة إلى فرق فنية لإصلاح خطوط الكهرباء والمياه والاتصالات. كما ساهمت الشركات المحلية بمعدات وأموال لدعم جهود الإغاثة.
التأثيرات على الإمارات وإيران
وصلت تأثيرات جونو إلى إمارة الفجيرة في الإمارات، حيث غمرت المياه الشوارع، وامتدت الفيضانات إلى منطقتي كلباء وخور كلباء التابعتين لإمارة الشارقة. وكانت الأمواج والعواصف حاضرة في السواحل الشرقية للدولة، لكن دون تسجيل خسائر بشرية تذكر.
معنى "غونو"
الاسم "غونو" مشتق من لغة المالديف، ويعني "الحقيبة اليدوية المصنوعة من سعف النخيل" – وهي تسمية تحمل رمزية عميقة، خاصة أن هذا الإعصار ترك أثرًا لا يُمحى في ذاكرة شعوب المنطقة.
في الختام
إعصار جونو لم يكن مجرد ظاهرة جوية، بل حدث تاريخي صاغ شكل التعامل مع الكوارث في المنطقة. ما بين دقة الأرصاد، وقوة الطبيعة، وصمود الإنسان، يبقى هذا الإعصار علامة فارقة في سجل الأعاصير المدارية في بحر العرب.
