في 9 يونيو 2011، شهدت ويتشيتا، كانساس، انفجارًا حراريًا أدى إلى ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 10 إلى 20 درجة مئوية في غضون دقائق، ووصلت إلى أكثر من 49 درجة مئوية
هل استيقظت ليلًا على هواء ساخن يلفح وجهك كأنه من مجفف شعر؟ أنت لم تكن تحلم!
تخيل المشهد: إنها ليلة هادئة، ربما بعد يوم من العواصف الرعدية. الجو بدأ يبرد، وأنت تستمتع بنسمات الهواء اللطيفة. فجأة، ومن دون سابق إنذار، تهب رياح عاتية وجافة وحارة بشكل لا يصدق. ترتفع درجة الحرارة بشكل جنوني، 10، 15، بل وحتى 20 درجة مئوية في غضون دقائق. تشعر وكأن أحدهم قد فتح باب فرن صناعي عملاق في وجهك. ثم، وبنفس السرعة التي بدأت بها، تختفي الظاهرة، تاركة وراءها حيرة ورعبًا.
أنت لم تتخيل الأمر، ولم يكن كابوسًا. لقد شهدت للتو واحدة من أكثر الظواهر الجوية غرابة وسرية: "الانفجار الحراري" (Heat Burst). هذه ليست عاصفة عادية، بل هي "نفس" حارق تطلقه عاصفة رعدية تحتضر، ظاهرة قادرة على تدمير المحاصيل، وإثارة الحرائق، وإرباك كل من يمر بها. فما هو هذا الشبح الناري؟ وكيف يمكن لعاصفة محتضرة أن تطلق العنان لمثل هذه الحرارة الشيطانية؟
تشريح "نفس التنين"... كيف يولد الانفجار الحراري؟
يولد الانفجار الحراري من رماد عاصفة رعدية ميتة أو محتضرة، في عملية تبدو وكأنها انتقامها الأخير.
- العاصفة المحتضرة: تبدأ القصة بعاصفة رعدية بدأت تضعف وتتلاشى. في داخل هذه السحابة، لا يزال هناك هواء بارد ورطب في طبقاتها العليا.
- السقوط الحر: يبدأ هذا الهواء البارد بالهبوط نحو الأرض. لكن أثناء هبوطه، يمر عبر طبقة سميكة جدًا من الهواء الجاف تحته.
- التبخر والتبريد (في البداية): عندما يمر الهواء الرطب عبر الهواء الجاف، تتبخر قطرات المطر التي يحملها. عملية التبخر هذه تبرد الهواء الهابط بشكل أكبر، مما يجعله أثقل ويزيد من سرعة سقوطه بشكل هائل.
- الانضغاط (السر الأكبر): مع استمرار الهواء في السقوط بسرعة جنونية، يزداد الضغط الجوي عليه بشكل هائل (تمامًا مثلما يحدث عند نفخ إطار دراجة، حيث يسخن الهواء المضغوط). هذا التسخين بالانضغاط (Compressional Heating) يكون عنيفًا لدرجة أنه يتغلب تمامًا على التبريد الأولي الناتج عن التبخر.
- الوصول إلى السطح: عندما يرتطم هذا الهواء بالأرض، يكون قد أصبح جافًا تمامًا وساخنًا بشكل لا يصدق، ويهب كعاصفة نارية مفاجئة.
آثار العاصفة النارية -الانفجار الحراري... أكثر من مجرد ليلة حارة!
قد يبدو الانفجار الحراري مجرد ظاهرة غريبة، لكن آثاره يمكن أن تكون مدمرة.
- رياح بقوة عاصفة استوائية: يمكن أن تتجاوز سرعة الرياح المصاحبة للانفجار الحراري 100 كم/ساعة، وهي قادرة على إحداث أضرار هيكلية للمباني واقتلاع الأشجار.
- تدمير المحاصيل: الارتفاع المفاجئ في الحرارة مع الهواء شديد الجفاف يمكن أن "يطهي" المحاصيل الزراعية في الحقول ويدمرها في دقائق، مما يسبب خسائر فادحة للمزارعين.
- خطر الحرائق: إذا حدث انفجار حراري فوق منطقة تعاني من الجفاف، فإن الرياح الحارة والجافة يمكن أن تثير حرائق الغابات وتوسعها بشكل انفجاري، مما يجعل السيطرة عليها شبه مستحيلة.
- انخفاض الرطوبة الكارثي: تنخفض نسبة الرطوبة بشكل حاد، أحيانًا إلى أقل من 10%، مما يزيد من الشعور بالاختناق ويزيد من خطر الحرائق.
أين تضرب الأنفجارات النارية؟
تحدث الانفجارات الحرارية في جميع أنحاء العالم، لكنها أكثر شيوعًا في مناطق معينة، وغالبًا ما تمر دون أن يتم تسجيلها بشكل صحيح لأنها تحدث ليلًا.
- البيئة المفضلة: تزدهر في السهول الكبرى بالولايات المتحدة، حيث تتشكل العواصف الرعدية فوق طبقات جوية جافة.
- في العالم العربي: نعم لكن ليس أكيد، يمكن أن تحدث . البيئة الصحراوية وشبه الصحراوية هي الظروف المثالية. العواصف الرعدية التي تتشكل وتتحرك فوق طبقات الهواء الجافة جدًا في منطقتنا هي مرشح مثالي لإنتاج الانفجار الناري
ظاهرة الانفجار الناري لغز ليلي يستحق الاحترام!
الانفجار الحراري هو مثال مذهل على أن العواصف الأكثر خطورة ليست دائمًا تلك التي تحمل الأمطار الغزيرة والبرَد. إنه يثبت أن حتى العاصفة المحتضرة يمكن أن تطلق العنان لقوة مدمرة وغير متوقعة. إنه ظاهرة غامضة، تحدث في الظلام، وتترك وراءها دمارًا وحيرة.
لذا، في المرة القادمة التي تستيقظ فيها في منتصف ليلة صيفية على رياح حارقة وجافة، تذكر أنك لست وحدك. لقد شهدت للتو واحدة من أكثر أسرار الغلاف الجوي إثارة وغموضًا، الانفجار الحراري نفس التنين الأخير لعاصفة تحتضر
و اللّٰه أعلى و أعلم