تخيل أن تستيقظ في شهر يوليو لتجد الثلج يتساقط والصقيع يغطي المحاصيل... هذا ما حدث!
في عام 1816، حدث شيء غريب ومخيف. بعد شتاء قارس، انتظر الناس في أوروبا وأمريكا الشمالية بفارغ الصبر دفء الصيف المعتاد، لكنه لم يأتِ أبدًا. بدلًا من ذلك، استمرت السماء ملبدة بالغيوم، وحجبت الشمس ضباب غريب وجاف، وتساقط الثلج في يونيو، وتجمدت الأنهار في يوليو، ودمر الصقيع المحاصيل في أغسطس. أُطلق على هذا العام المشؤوم اسم "سنة بلا صيف" أو "عام الفقر" أو "ثمانية عشر وتجمد حتى الموت".
تسبب هذا "العام المفقود" في مجاعات عالمية، وأعمال شغب، وهجرات جماعية، وانتشار الأمراض. لسنوات طويلة، ظل السبب لغزًا محيرًا. فما الذي سرق الصيف من العالم؟ وكيف يمكن لحدث واحد أن يغير مناخ الكوكب بأكمله ويترك بصمته على التاريخ والفن والأدب؟
كيف كانت تبدو سنة بلا صيف؟
لم تكن مجرد موجة برد، بل كانت شذوذًا مناخيًا عالميًا مستمرًا.
- في أمريكا الشمالية: تساقط الثلج في ولاية فيرمونت بارتفاع 30 سم في شهر يونيو. تجمدت الأنهار والبحيرات في ولاية بنسلفانيا في شهري يوليو وأغسطس. فشلت جميع المحاصيل تقريبًا، مما أدى إلى ارتفاع هائل في أسعار المواد الغذائية وهجرة المزارعين غربًا.
- في أوروبا: كانت الأمطار باردة ومتواصلة، مما أدى إلى فيضانات كارثية. فشلت محاصيل الحبوب في بريطانيا وأيرلندا، مما تسبب في "مجاعة العام الأخير الكبرى في العالم الغربي". اندلعت أعمال شغب بسبب نقص الغذاء في فرنسا وسويسرا.
- في آسيا: تعطلت مواسم الرياح الموسمية في الهند، مما أدى إلى انتشار وباء الكوليرا الذي انتقل لاحقًا إلى روسيا وأوروبا. شهدت الصين مجاعات بسبب فشل محاصيل الأرز.
- الظواهر الغريبة: تحدث الناس عن ضباب جاف غريب يملأ السماء، وشفق وغروب شمسي بلون أحمر دموي مذهل، وبقع شمسية يمكن رؤيتها بالعين المجردة.
ما هو اللغز الذي حير العلماء لأكثر من 100 عام؟
في القرن التاسع عشر، لم يكن لدى العلماء أي تفسير منطقي لما حدث. كانت النظريات تتراوح بين غضب إلهي، أو بقع شمسية، أو مجرد تقلب طبيعي غريب. لكن الجواب الحقيقي كان يكمن على الجانب الآخر من الكوكب، وكان أكثر عنفًا بكثير.
الجواب: ثوران بركان تامبورا عام 1815.
في أبريل 1815، قبل عام واحد من سنة بلا صيف، انفجر بركان جبل تامبورا في إندونيسيا في أعنف ثوران بركاني في التاريخ البشري المسجل. كان الانفجار أقوى 100 مرة من ثوران بركان "سانت هيلينز".
كيف أثر بركان( تامبورا) واحد على العالم كله؟
قذف الرماد إلى الستراتوسفير: لم يقذف البركان الحمم والرماد فقط، بل قذف كمية هائلة (تُقدر بـ 100 كيلومتر مكعب) من غاز ثاني أكسيد الكبريت إلى طبقة الستراتوسفير، على ارتفاع يتجاوز 30 كيلومترًا.
تشكل الحجاب البركاني: في الستراتوسفير، تفاعل غاز ثاني أكسيد الكبريت مع بخار الماء ليشكل رذاذًا من حمض الكبريتيك. هذا الرذاذ خلق حجابًا أو ستارة خفيفة حول الكوكب بأكمله.
حجب أشعة الشمس: عمل هذا الحجاب كمرآة صغيرة، حيث عكس جزءًا كبيرًا من أشعة الشمس وأعادها إلى الفضاء قبل أن تصل إلى سطح الأرض.
التبريد العالمي: نتيجة لذلك، انخفض متوسط درجة حرارة الكوكب بنحو 0.4 إلى 0.7 درجة مئوية، وهو انخفاض كافٍ لإحداث فوضى عارمة في أنماط الطقس العالمية والتسبب في شتاء بركاني
و اللّٰه أعلم