ليست مجرد عاصفة رعدية... إنها قوة تدميرية تسير في خط مستقيم!
تخيل المشهد: في يوم صيفي هادئ، تبدأ السماء في التغير. لكن هذه المرة، لا تظهر السحب الرعدية المعتادة والمتفرقة. بدلًا من ذلك، يظهر في الأفق البعيد جدار أسود هائل، يمتد من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، يتقدم نحوك بسرعة مخيفة وكأنه موجة تسونامي عملاقة في السماء. هذا ليس مشهدًا من فيلم خيال علمي، بل هو ظاهرة حقيقية تُعرف باسم "الديريتشو" (Derecho)، وهي واحدة من أكثر الظواهر الجوية تدميرًا وغموضًا.
فما هو هذا "الجدار الأسود" المرعب؟ وكيف يمكن لعاصفة أن تسير في خط مستقيم لمئات الكيلومترات، تاركة وراءها دمارًا يضاهي الأعاصير القمعية؟ استعدوا للغوص في عالم "الديريتشو"، حيث قوانين الطقس المعتادة تنحني أمام قوة الطبيعة الجبارة.
9اما هو الديريتشو؟ عندما لا تدور العاصفة... بل تهاجم!
على عكس الأعاصير القمعية (التورنادو) التي تتميز بدورانها، فإن "الديريتشو" (وهي كلمة إسبانية تعني "مستقيم" أو "مباشر") هي عاصفة خطية هائلة. إنها في الأساس نظام معقد من العواصف الرعدية التي تتحد وتنتظم في خط واحد، وتتحرك بسرعة كبيرة في اتجاه واحد.
- كيف تولد هذه القوة؟ يتشكل الديريتشو من ظاهرة تُعرف بـ "القوس الصدوي" (Bow Echo) على شاشات الرادار. هذا القوس هو نتيجة لرياح عنيفة تهبط من قلب العاصفة وتنتشر إلى الأمام، مما يدفع خط العواصف للأمام بسرعة وقوة، ويغذي نفسه بنفسه في حلقة متواصلة من التدمير.
- شروط قاسية للتشكل: لا يتشكل الديريتشو بسهولة. إنه يتطلب بيئة جوية غير مستقرة للغاية، مع وجود رياح قوية في طبقات الجو العليا، ورطوبة هائلة. هذا المزيج المتفجر هو ما يخلق هذا "الوحش" الجوي.
مشهد من قلب جدار الرعب ماذا يحدث عندما يضرب الديريتشو؟
عندما يصل الديريتشو يتغير كل شيء في دقائق. التجربة لا تشبه أي عاصفة أخرى.
- الظلام المفاجئ: أول ما يلاحظه شهود العيان هو الظلام المفاجئ الذي يحل بالمنطقة، حيث يحجب جدار السحب الهائل ضوء الشمس بالكامل، ليتحول النهار إلى ليل دامس.
- هدير يصم الآذان: يتبع الظلام هدير مرعب، ليس كصوت الرعد المعتاد، بل هو ضجيج متواصل يشبه صوت قطار شحن ضخم يقترب بسرعة، ناتج عن الرياح العاتية التي تضرب كل شيء.
- رياح مستقيمة بقوة إعصار: فجأة، تضرب رياح عنيفة تتجاوز سرعتها 90 كم/ساعة، وأحيانًا تصل إلى 120 كم/ساعة. لكنها لا تدور، بل تدفع كل شيء في اتجاه واحد. الأشجار لا تلتوي، بل تنكسر من منتصفها في نفس الاتجاه. أعمدة الكهرباء تتهاوى كأعواد الثقاب. أسطح المنازل تُقتلع وتطير في الهواء.
إنها قوة تدميرية منظمة، تسير في خط مستقيم، وتترك وراءها مسارًا من الدمار يمتد لمئات الكيلومترات.
هل يمكن أن يضرب الديريتشو منطقتنا العربية؟ لغز جغرافي
تاريخيًا، ارتبطت ظاهرة الديريتشو بشكل أساسي بالولايات المتحدة، خاصة في منطقة الغرب الأوسط، والتي تُعرف بـ "زقاق الديريتشو". لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل يمكن أن تحدث هذه الظاهرة في أماكن أخرى، بما في ذلك منطقتنا العربية؟
- الشروط المطلوبة: من الناحية النظرية، يمكن أن يتشكل "الديريتشو" في أي مكان في العالم إذا توفرت الشروط الجوية القاسية اللازمة: عدم استقرار شديد، رطوبة عالية، ورياح قوية في الطبقات العليا.
- حالات نادرة: شهدت بعض المناطق في أوروبا الشرقية وروسيا ظواهر مشابهة. أما في منطقتنا العربية، فإن الظروف المواتية لتشكل "ديريتشو" بالمعنى الكامل للكلمة تُعد نادرة جدًا. ومع ذلك، فإن بعض العواصف الرعدية الخطية العنيفة التي تشهدها أجزاء من السعودية والعراق خلال فصلي الربيع والخريف قد تحمل بعض خصائص هذه الظاهرة، مثل الرياح الهابطة الشديدة التي تسبب العواصف الغبارية الهائلة (الهبايب).
- تغير المناخ والتحدي المستقبلي: مع تغير المناخ، يتوقع العلماء أن تصبح الظواهر الجوية المتطرفة أكثر شيوعًا وشدة. فهل يمكن أن يؤدي هذا إلى تهيئة الظروف لتشكل عواصف خطية أكثر عنفًا في مناطق لم تكن معتادة عليها؟ هذا هو السؤال الذي يشغل بال خبراء الأرصاد الجوية اليوم.
.